أزمة ثقة بين الحليفين: كيف أشعل الملف النووي الإيراني خلافًا حادًا بين ترامب ونتنياهو؟

خلفية الاتفاق النووي الإيراني
اتفقت طهران والقوى الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) عام 2015 في اتفاق نووي تاريخي يعرف بـ«خطة العمل المشتركة الشاملة» (JCPOA) للحد من أنشطة إيران النووية مقابل رفع عقوبات اقتصادية عليها. وقد شمل الاتفاق قيودًا مشددة على تخصيب اليورانيوم ومراقبة دولية مفصلة للمواقع النووية. لكن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحبت من الاتفاق في مايو 2018 وأعادت فرض العقوبات على إيران. وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بهذه الخطوة، واصفًا الاتفاق بأنه «وصفة لكارثة» . ونقلت وكالة رويترز عن ترامب قوله إنه سيفرض عقوبات جديدة على إيران وسيغلق الطريق أمامها لامتلاك السلاح النووي. وقد دفع انسحاب واشنطن طهران لمخالفة العديد من بنود الاتفاق السابق ، وفق الخبراء ، وزاد من مخاوف القوى الغربية من تسارع برنامج طهران النووي .
صورة توضيحية (أعلام الولايات المتحدة وإيران) تعكس التوتر حول الاتفاق النووي الإيراني
خلافات واشنطن وتل أبيب حول الاتفاق النووي
رغم انسحاب واشنطن من الاتفاق، تباينت وجهات نظر البلدين حول المفاوضات اللاحقة. يصرّ الجانب الأمريكي على إشراك إيران في صيغة جديدة للاتفاق تضع حدًا نهائيًا لتخصيب اليورانيوم، بل تطالب واشنطن بتوقّف كامل لهذا النشاط، وتحذّر طهران من «عواقب وخيمة» في حال رفضتها . من جهتها، تعتبر إسرائيل أن أي تسوية تحمل تسهيلات لإيران تشكل خطًا أحمر. وأكد نتنياهو مرارًا أن «الاتفاق الرديء أسوأ من لا اتفاق»، وشدد على أن إسرائيل لن تقبل ببقاء أي منشآت تخصيب إيرانية عاملة . وترفض تل أبيب أيضاً أي رفع للعقوبات طالما تشارك منظمة «الحرس الثوري» في البرنامج النووي الإيراني، كما تطالب بتفكيك كامل للبنية التحتية النووية الإيرانية. وبذلك تنحصر خلافات الطرفين في نقطتين أساسيتين: مدى صرامة الشروط المفروضة على طهران (مثل شروط «صفر تخصيب»)، ومدى توافق الصفقة مع المصالح الأمنية الإسرائيلية.
إدارة ترامب والملف النووي الإيراني
تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن إيران خلال فترة رئاسة ترامب. فعلى الرغم من انحياز ترامب في البداية لموقف نتنياهو بخصوص كسر الاتفاق النووي ، تباين الاهتمام لاحقًا بين ملفات أخرى. أفادت مصادر إعلامية أميركية وإسرائيلية أن ترامب حذّر نتنياهو تحذيرًا شديد اللهجة من شن هجوم على المنشآت الإيرانية، مستنكراً أن يكون توقيت الضربة «غير مناسب» في ظل قرب التوصل إلى حل دبلوماسي . وذكرت قناة عبرية أن الرئيس الأمريكي السابق أمر بوقف التنسيق العسكري مع إسرائيل خشية أن تعطل عملية التنسيق الأمريكية مع طهران أو تعرقل جهود المفاوضات النووية . ونقلت التقارير عن مسؤولين أميركيين أن واشنطن تعتقد بقرب التوصل إلى اتفاق مرحلي جديد مع إيران، وأنه «قد يتم توقيع اتفاق مرحلي خلال الاجتماع القادم» . ورغم إعلان الطرفين أنهما يسعيان لدبلوماسية ختام قريبة مع إيران، تبقى إسرائيل قلقة من احتمال إبقاء طهران على قدرات تخصيب مؤقتة ضمن أي إطار تفاوضي .
أهمية التنسيق العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل
تُعدّ الولايات المتحدة وإسرائيل حليفين استراتيجيين، والتنسيق العسكري بينهما تاريخياً أداة أساسية لضمان التفوق الأمني بالمنطقة. يجري التعاون المشترك في مجالات الاستخبارات والمراقبة الجوية وأنظمة الدفاع الصاروخي مثل «القبة الحديدية» وصواريخ باتريوت ومسبار القبة القاتلة . وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن التنسيق وصل «إلى مستوى غير مسبوق» على حد قوله. ويرى محللون أمنيون أن عدم التنسيق قد يؤدي إلى أخطاء خطيرة في الجو والميدان. فكما يقول الخبير الأميركي دينيس روس إنه لَمْ يَكُنْ من المعقول أن تعمل قوتان بحجم الولايات المتحدة وإسرائيل في مجال الدفاع ضد صواريخ أو طائرات دون «تفادي مشترك للمناورات» . وخلال رئاسة ترامب ضمّت واشنطن إسرائيل إلى قيادة العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط (CENTCOM) لتعزيز التنسيق الإقليمي تجاه التهديد الإيراني . وينصبّ التنسيق حاليًا على تبادل المعلومات الفورية والإنذار المبكر، وتخطيط أي عمليات محتملة ضد منشآت إيران الحساسة.
أثر وقف التنسيق العسكري على الأمن الإقليمي
أي قرار أميركي بوقف التنسيق العسكري مع إسرائيل قد يُحدث تداعيات أمنية خطيرة في الشرق الأوسط. فإسرائيل «بحاجة ماسة» للأنظمة الدفاعية الأميركية خاصة الصاروخية والاستخباراتية ، وبالتالي فإن تعليق الدعم يعني فقدان قدرات إنذار إضافية قد تكبح أي هجوم إيراني محتمل. كما أن انفصال إسرائيل عن شبكة المعلومات المشتركة يرفع من احتمال قيامها بمبادرات عسكرية أحادية دون تنسيق، وهو ما كان البيت الأبيض يحذّر منه إذ رجّح أن إسرائيل قد تنفذ أي ضربة ضد إيران بسرعة فائقة دون إنذار كاف . وبدون الشراكة الأمنية الأميركية، قد تتعرض منظومات الدفاع الإسرائيلية للاستنزاف، مما يضعف الردع المشترك ويجعل المنطقة أكثر عرضة للاضطرابات. وهذا يعني أن تعليق التنسيق العسكري لن يصبّ في مصلحة استقرار «محور الممانعة» فحسب، بل قد يفاقم حالة التوتر بين القوتين (واشنطن وتل أبيب) ويهزّ ثقة الحلفاء الخليجيين بهذا التحالف الاستراتيجي أيضاً.